الربيع اللبناني والثنائية السنية السلفيين والمستقبل).
د.نسيب حطيط
يتميز بما يسمى الربيع العربي،بأن القوى السياسية والدينية(السنية)انقلبت على قياداتها الحاكمة وقدمت الحركات الإسلامية بقيادة الأخوان المسلمين كقائد للمجتمع وحاكم للدولة، تنافسها القوى السلفية(التكفيرية والدعوية)على حساب القوى السياسية(العلمانية)أو التقليدية عبر إلغائها نهائيا أو مشاركتها قيادة أهل السنة والجماعة سياسيا، والتقدم عليها ميدانيا بمجموعاتها المسلحة و الإنتحارية.
وبدل أن يغير الربيع العربي النظام في لبنان كما دعا تيار المستقبل، فقد غير هذا الحراك قواعد اللعبة السياسية في الطائفة السنية وألغى منظومة "حصرية" التمثيل السني لصالح التيار الواحد(المستقبل)وأدخل المستقبل بقصد أو نتيجة حسابات خاطئة أو ضغوط خارجية القوى السلفية لساحة العمل السياسي في لحظة خروجه من الحكم وإنكفائه سياسيا وتصاعد الأحداث السورية التي أدخل فيها نفسه فوق طاقته ،دون حساب للنتائج المحتملة وباعتقاد راسخ بحتمية سقوط النظام دون حساب أي فرضية ولو بسيطة لإمكانية بقاء النظام وإنتقامه ممن عملوا ضده وحصارهم كرد على أعمالهم ضده.
والمشكلة أن الطائفة السنية في لبنان تعيش مخاضا جديدا بعد عقدين من الزمن يناقض ارهاصات المخاض الذي قاده المرحوم الرئيس الحريري عندما ألغى القيادات السنية التقليديةالمثلة بعائلات (سلام، الصلح، كرامي، سعد ...)وحاصر الأحزاب السياسية الناصرية التي كانت تستحوذ على الحراك السياسي السني،وجمع القيادة السياسية والإنمائية والحزبية في يده منذ التسعينات،وبعد إغتياله لم يستطع الرئيس سعد الحريري الحفاظ على هذا الموروث السياسي مع كل الدعم الدولي والإقليمي الذي تأمن له طوال السنوات الماضية،واستفاق تيار المستقبل على حقائق ميدانية وسياسية مذهلة غير متوقعة.
- إنقلاب دار الفتوى على قراره السياسي بعد إرتباطها عضويا طوال السنوات الماضيةبمنظومته السياسية وتأمين الغطاء الديني لقرارات المستقبل السياسية.
- مصادرة القوى السلفية للميدان السياسي في الشمال خصوصا، والتي تشكل الخزان الشعبي الرئيسي لتيار المستقبل وظهوره كلاعب هامشي في القرار الميداني.
- تخبط تيار المستقبل في عمله السياسي نتيجة(هجرة) زعيمه وقلة الموارد المالية لمؤسساته وتقلص الخدمات لأنصاره، مما استولد لامركزية على مستوى النواب والمسؤولين.
كل هذه الوقائع دفعت المستقبل لإتخاذ قرارات إنفعالية وغير ناضجة تحكمها المزايدات،من جهة وقلة الخبرة السياسية والرهانات الخاطئة حتى أوصلته أحداث طرابلس وعكار إلى درجة(التهميش)الكامل وخسارة القرار والأمرة على مستوى الساحة السياسية السنية ،وهذا ما ألحق به خسائر كبيرة ،ستنعكس على الطائفة السنية أولا وعلى كل لبنان لأنها ستؤدي إلى إستدراج لبنان بدء من الشمال للغرق في الأحداث السورية وتحويله معقلا وقاعدة انطلاق لكل المسلحين من القاعدة والحركات الجهادية السنية تحت عنوان نصرة الثورة السورية والتي لايبدو انها قريبة الحلول بإنتظار المفاوضات النوية الأميركية –الإيرانية والروسية ،مما سيؤدي إلى بقاء الشمال في حالة غليان دائم.
الثنائية السياسية(السنية)ولدت في لبنان بين(السلفيين)و(المستقبل) وهي تحالف بين التطرف المسلح والتطرف السياسي،بين الدين المهجن أميركيا، والمشوه وبين العلمانية المتدينة بالحد الأدنى، بين الجماعات المرتبطة بأكثر من جهاز مخابرات وبشبكة عنكبوتية غير مرئية وبين تيار له مرجعيته السياسية الواضحة في المملكة السعودية،هذه الثنائية الهشة والعجيبة والفريدة لا تمتلك إمكانيات الإنسجام أو الإستمرار أو التوازن،ستؤدي إلى فلتان القرار(السني)السياسي وما سيتبعه من فلتان أمني وعسكري وتشتت للمؤسسات أي(تفجير الطائفة داخليا)بأيدي أبنائها ضد مصالحها ومصالح الطوائف الأخرى.
في هذه اللحظات المفصلية هل تترك الطائفة السنية،لوحدها أم يبادر الجميع لإستنقاذها من مغامراتها والرهانات الخاطئة والفلتان القيادي،كواجب وطني وديني وحفظا للوطن والعيش المشترك ووحدة الأرض والمؤسسات والسلم الأهلي.
إن الأيام القادمة لا تبشر بالخير كثيرا في ظل الكيد السياسي والقطيعة السياسية وإقحام لبنان في الأحداث السورية بعدما امتنعت تركيا والأردن وغيرهما من الغرق في الملف السوري.